الدرعيات.
قصائد وصف بها الدرع، طبعت ملحقة بسقط الزند.
والغريب أن المعري يصف فيها شيئًا من عدة الحرب وهي الدروع
مع أنه لم يخض غمار معركة ولا استعد لها. وقد افتن في وصفها،
فمرة يصفها على لسان رجل أسَنَّ فترك لبسها، أو على لسان رجل رهنها،
وجعل وصفها مرة محاورة بين درع وسيف،
ووصفها على لسان رجل يبيع درعًا أو رجل خانه آخر في درع
أو على لسان امرأة توصي ابنها بلبس الدرع والانشغال بها عن الزواج.
والدرعيات موضوع جديد في الشعر العربي يدل على براعة وأصالة.
ويجعلها النقاد مقابلة للطرديات (شعر الصيد) عند الشعراء الآخرين،
كما يراها آخرون محاولة من المعري لتحقيق قوله:
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
ومن أشهر هذه الدرعيات:
عليــك السابغــات فإنهـــنه
يدافعن الصوارم والأسنــه
ومن شهد الوغى وعليه درع
تلقاها بنفـــس مطمئـنــه
اللزوميات
سميت كذلك لأنه التزم فيها حرفًا قبل حرف الرَّوِيِّ.
وإذا تأملناها وجدنا فيها مشابهة من سجونه التي اختارها.
فإن القافية والتزام رويها سجن للشاعر فلم يرض المعري حتى يجعل لنفسه سجنًا آخر
هو الحرف الذي التزمه.
لم يكن المعري أول من ابتكر هذا الفن، فلكثير عزة تائية التزم فيها اللام قبل التاء ومطلعها:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا
قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلّتِ
ولغيره مقطوعات قليلة فيها هذا الالتزام،
ولكن الجديد في صنع المعري أنه نظم ديوانًا كاملاً على هذا النمط
حاويًا جميع حروف المعجم فجاء عملاً يحمل بصماته مقترنًا باسمه،
وظل ديوانه هذا نسيج وحده، ولم يستطع شاعر أن يحذو حذوه إلا في المقطوعات المحدودة.
وقد قدم له المعري قائلاً:
"وقد تكلفت في هذا التأليف ثلاث كلف:
الأولى أن ينتظم حروف المعجم عن آخرها،
والثانية أن يجيء رويه بالحركات الثلاث وبالسكون،
والثالثة أنه لُزم مع كل روي فيه شيء لا يلزم".
وفوق هذا لم يضعه قصدًا للبراعة اللفظية والمقدرة اللغوية فحسب،
وإنما قصد به إلى معان فلسفية،
كذلك جاء من أحد عشر ألف بيت في مائة وثلاثة عشر فصلاً.
وقد جاء الديوان مثقلاً بالغريب واستعمال المصطلحات،
وجاءت القيود المتراكمة هذه على حساب الوحدة المعنوية في المقطوعات أحيانًا
إذ يركز فيها على وحدة القوافي.
ويرى بعض النقاد أن المقطوعة أو القصيدة في اللزوميات تطول وتقصُر تبعًا لصعوبة القافية وسهولتها،
فقد تساعده القافية السهلة فيمتد نفسه الشعري،
فيكثر من الأبيات وإن استوفى المعنى المراد، وقد ينقطع نفسه عند البيتين والأبيات القليلة،
وإن كان في المعنى متسع لأن القافية تضطره إلى ذلك.
ومثال واحد من الديوان يكفي للرد على هذا القول وهو اللزومية:
نوائب، إن جلت، تجلت سريعة
وإما توالت في الزمان تولت
وهي خمسة أبيات، وكان يمكن أن تطول جدًا، إذ قافيتها سهلة.
ومن أمثلة إثقال الأبيات بالعلوم والمصطلحات قوله:
مالي غدوت كقاف رؤبة قيدت
في الدهر لم يطلق لها إجراؤها
أعللــت علــة قــال وهي قديمـة
أعيا الأطبــة كلهـــم إبراؤهـــا
ويقول:
فصحيحة الأوزان زادتها القوى
حرفا فبان لسامع نكراؤها
ويقول:
ووجــدت دنيـانــا تشابـه طامثا
لا تستقيم لناكح أقراؤها